الصفحة الرئيسية  اقتصاد

اقتصاد الدينار التونسي يسير إلى الهاوية: الأسباب.. والتداعيات.. والحلول

نشر في  15 جوان 2016  (11:13)

نزل الدينار التونسي مؤخرا، الى أدنى مستوياته التاريخية في مؤشر جديد على التهديدات التي تحدق بالاقتصاد الوطني، وقد أثار انخفاض الدينار التونسي وانحداره عديد المخاوف لما له من انعكاسات على الاقتصاد التونسي والمقدرة الشرائية للمواطن، فضلا عن زيادة أعباء الديون الخارجية للبلاد.
ويذكر ان سعر صرف الدينار التونسي انحدر مؤخرا ، مسجلا 2.1 د مقابل الدولار الأميركي و2.43 د مقابل اليورو، مع توقعات بمزيد من التهاوي في قادم الأيام.
مع العلم ان قيمة العملة التونسية تراجعت منذ بداية السنة بنسبة تقارب 10 ٪ ، وفقد الدينار التونسي خلال سنة واحدة 10,9 ٪ من قيمته قياسا بالدولار الامريكي، كما شهد التبادل التجاري مع الخارج خلال الربع الأول من العام الجاري، انخفاضا في إجمالي الصادرات بنحو 3.3%، بينما ارتفعت الواردات بنحو 7،5 بالمائة   
صحيح أنها ليست المرة الأولى التي ينخفض فيها الدينار التونسي الى مستويات متدنية منذ اندلاع الثورة، لكن هذا الانخفاض الأخير كان بمثابة النزول التاريخي .
ونظرا لكون الدينار يمثل محرار الإقتصاد الوطني التونسي، فقد ارتأينا تسليط الضوء على اسباب هذا التراجع وانعكاساته،مع العلم ان العديد من الخبراء الاقتصاديين قد حذروا من تواصل انزلاق الدينار التونسي الذي فسروه بعوامل خارجية وآخرى داخلية معتبرين أن ذلك من شانه أن يزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني.

محافظ البنك المركزي يدق أجراس الخطر

وفي هذا الاطار، قال محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري خلال جلسة استماع خصصتها لجنة المالية والتنمية والتخطيط لوزير المالية لمناقشة سعي تونس إصدار قرض رقاعي بقيمة 1000 مليون دينار، قال ان المجهودات تتجه خلال هذه الفترة نحو التقليص قدر الإمكان من حالة التذبذب التي يعيشها الدينار التونسي، موضحا ان تقهقر الدينار يختزل الوضع الاقتصادي الذي تعيشه تونس.
وبين في نفس الإطار أن انحدار العملة الوطنية لا يمكن أن يمنعه قرار من البنك المركزي في ظل تنامي العوامل التي أسهمت في تراجعه ومنها هشاشة الوضع الاقتصادي وتقلص النمو والإنتاج.
وذكر محافظ البنك المركزي ان سعر صرف الدينار التونسي سجل بتاريخ 10 جوان 2016 حوالي 2.4379 د مقابل الاورو و2.1399 د مقابل الدولار وهي مستويات قياسية لانخفاض الدينار مقابل العملات الدولية الكبرى.
كما تراجع المخزون الوطني من العملة الصعبة من 120 يوم توريد بداية 2016 إلى ما يقارب عن 109 أيام توريد حاليا.
وأفاد العياري أن تونس «في حاجة إلى قرض رقاعي ستصدره بضمان أمريكي لدعم مخزوناتها من العملة الصعبة وسداد ديونها» في ظل نمو سلبي لصادراتها وغياب المعونات الخارجية “في الأشهر الستة الأخيرة” مع توقف قطاعات إنتاج حيوية على غرار الفسفاط والمحروقات وتسجيل ميزان الخدمات نتائج سلبية تبعا لتقهقر النشاط السياحي.
وقال العياري، ان تمويل ميزانية 2017 سيكون صعبا في ظل عدم كفاية الموارد الجبائية للدولة، والتي لا تغطي النفقات الجارية على غرار أجور القطاع الحكومي ودعم المؤسسات وموازنات الصناديق الاجتماعية.

الصادق جبنون: إملاءات صندوق النقد الدولي، وعدم وجود رغبة في الإصلاح من أهم الأسباب

وفي حديث جمعنا مع الخبير الدولي في استراتيجيات الاستثمار، صادق جبنون، بيّن أن العملة التونسية هي في نهاية الأمر مرآة للاقتصاد وما تمر به اليوم من تراجع لدليل على الضعف الهيكلي والبنيوي في الاقتصاد التونسي على حدّ تعبيره.
وبين محدثنا ان الاقتصاد التونسي هو أساسا اقتصاد طلب قائم على التوريد المكثف والعملة الضعيفة واليد العاملة الرخيصة انطلاقا من قانون 72 الى يومنا هذا، مبينا ان هذا الاقتصاد لم يستطع ان يحقق نقلة نوعية نحو اقتصاد القيمة المضافة والعرض القائم على الصناعة القوية والتكنولوجيا ..
وافادنا ان ما حدث مؤخرا في تونس مرده الاتفاقية الممضاة بين صندوق النقد الدولي والبنك المركزي والمتمثلة في منح تونس قرضا بقيمة 2،8 مليار دولار، مؤكدا انه وعلى اثر على الاتفاقية تم ادخال بعض الاملاءات من بينها القانون الجديد للبنك المركزي والذي بمقتضاه يتخلى البنك المركزي عن دعم العملة التونسية في سوق العملات، ليبقى المحدد لقيمة الدينار التونسي هو العرض والطلب، مبينا ان هذه المسألة في غاية من الخطورة .
واضاف محدثنا ان سياسة البنك المركزي الاوروبي لا تتأقلم بأي حال من الأحوال مع وضعية بلاد نامية يعاني اقتصادها من نسبة نمو صفر بالمائة، مشيرا الى أنه كان حريا ببلادنا التركيز على ايقاف التوريد المكثف والعشوائي لان تونس تعاني من عجز بقيمة ألف مليار شهريا في الميزان التجاري، بمعنى أنّ الواردات تفوق الصادرات بألف مليار في الشهر، يضاف الى هذا ما يتم تهريبه من مواد أساسية وتحديدا من ميناء رادس ـ والكلام للصادق جبنون ـ اضافة الى الاقتصاد الموازي الذي يمثل 54 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ..
واكد  الخبير الدولي في استراتيجيات الاستثمار، الصادق جبنون ان كل هذه العوامل تجعل من وجود العملة الصعبة في تونس امرا نادرا جدا خاصة مع التوقف الكلي لانتاج الفسفاط وما يعانيه قطاع السياحة من ركود ومن خلل، وغياب التمويل الحقيقي لقطاعي الصناعة والفلاحة في تونس وعدم وجود رغبة اصلاحية حقيقية في قانون البنوك، مشيرا الى ان البنوك التونسية ذات رأسمال ضعيف للغاية ورغم ذلك رفضت الحكومة الحالية رفع رأس المال الأدنى للبنوك الى 100 مليون دينار في مرحلة أولى لانهاء تشرذم القطاع وتجميع البنوك، كما رفضت تخفيض نسبة 20 بالمائة من محفظة القروض البنكية .
ومن الاسباب الاخرى للتدهور الاقتصادي مما ادى الى تراجع الدينار هو ان 75 بالمائة من صادرات وأرباح مشغلي الهواتف والتي تقدر ب2 مليار دولار تصدر الى الخارج بالعملة الصعبة ودون دفع ضرائب وحسب قانون 1972 ومجلة الاستثمار 1993، وبالتالي تحرم تونس من هامش الربح والقيمة المضافة ..
وفي سياق حديثنا تطرق محدثنا الى التجربة المغربية حيث أكد ان المغرب ربط عملته والمتمثلة في الدرهم بالعملة الأوروبية مع هامش انخفاض لا يتجاوز 12 بالمائة مما منحه استقرارا ماليا هاما، كما تقوم المغرب بجلب الاستثمارات الصناعية ذات قيمة مضافة عالية، وهو ما جعلها اليوم رابع وجهة استثمارية في افريقيا وثالث اكثر الدول رخاء في افريقيا رغم ندرة مواردها الطبيعية .
وختاما اشار الخبير الاقتصادي والمالي الصادق جبنون الى أن الحلول هي تبني التجربة المغربية ليس من باب المحاكاة لكن من باب حسن التصرف واعتماد سياسات ذكية .
كما اقترح هدنة اجتماعية ضرورية مشيرا الى ان هذه الاجراءات لا تتطلب تشكيل حكومة اخرى من شانها ان تعطل دولاب الاقتصاد بل إقالة بعض الوزراء من الذين ثبت عدم كفاءتهم.

عز الدين سعيدان:  لا يمكن ان تكون قيمة الدينار مرتفعة مع وضع اقتصادي متردّ

وفي تصريح خص به اخبار الجمهورية أكد الخبير المالي والاقتصادي عز الدين سعيدان أن السبب الرئيسي لتراجع الدينار التونسي هو الوضع الاقتصادي والمالي المتردي الذي تمر به البلاد، والغياب التام للإنتاجية والعمل، وتوقع محدثنا تراجع قيمة الدينار التونسي أكثر في قادم الأيام.
وافادنا انه لا يمكن ان تكون قيمة الدينار مرتفعة مع وضع اقتصادي متردّ، موضحا ان كل المؤشرات تدل على ان الاقتصاد التونسي في وضع انكماش، وسط غياب تام للنمو، وهو ما دمّر مواطن شغل ودمّر الثروة.
 واكد عز الدين سعيدان وجود علاقة بين قرض صندوق النقد الدولي وتراجع قيمة الدينار، مضيفا أنّ صندوق النقد يفرض شروطا على البلدان التي يقرضها، من بينها فرض مشروع إصلاحي يتأكد من خلاله أن الأموال المقرضة تساهم في إخراج البلد المدين من المأزق الذي يعيشه.
وذكر ان صندوق النقد طلب من الحكومة تعديل قيمة الدينار، فشرع البنك المركزي في تعديلها، وهو ما نتج عنه تراجع قيمته في غياب أي تدخل من المصرف المركزي لحماية العملة من الانهيار.
وفي نفس السياق اكد ان الميزان التجاري هو الفرق بين الصادرات والواردات وتونس تعيش عجزا بقيمة ألف مليار شهريا في الميزان التجاري، بمعنى أنّ الواردات تفوق الصادرات بألف مليار في الشهر.
وبيّن سعيدان، ان من تداعيات تراجع سعر الدينار على الميزان التجاري، تفاقم قيمة عجز الميزان التجاري مع العلم ان قيمة العجز مقدّرة حاليا بنحو نصف مليار دولار شهريا، اضافة الى تغذية التضخم المالي وصعوبة سداد الديون، مشيرا إلى أن تونس مطالبة بتسديد ديون متراكمة بقيمة 8 مليار دينار سنة 2017، وهو ما سيجعل من هذه السنة صعبة جدا .
وعن الحلول المقترحة أفادنا محدثنا أن الأمر متعلق بالاقتصاد وليس بالدينار، مبينا أن وضع الدينار لن ينصلح طالما الاقتصادي متردّ وبالتالي ذكر أن الحكومة، خاصة  التي قد يتم تشكيلها، مطالبة ببرنامج اقتصادي متكامل من أجل انقاذ الاقتصاد التونسي.

ملف من إعداد: سناء الماجري